بقلم الكاتب:عبدالحق- مزيوقة

في عالمٍ يعجُّ بالضجيج والصخب، تتوه الكلمة كطفلٍ ضائع في زحام المدينة. تقترب من الشفاه، لكنها تتراجع خائفة، تُحاصرها أصواتٌ صاخبة لا تترك مساحة للهمس أو التفكر. هناك، بين الصمت الموجوع والضوضاء المتوحشة، تُدفن الأفكار قبل أن تُولد، كأنها أشباحٌ لا تجد مكانًا للراحة.
جلس القلم على الورق، لكنه لم يجد ما يكتبه. الفكرة التي كانت تشع في ذهن الكاتب انسلت كضوءٍ خافت في ليلة عاصفة، تركت وراءها فراغًا موحشًا. كيف يكتب القلم حين تُخنق الكلمات؟ وكيف ينزف الحبر إذا ما جفَّت منابع الإلهام؟
عزاء الحرف
في جنازة الفكر، وقف القلم حزينًا. بكى على كلماتٍ ضاعت، وأفكارٍ تسربت كالماء بين أصابع الحالم. كان الحبر شاهدًا على خذلان الزمن، حين ترك الكاتب وحده في معركةٍ مع الفوضى الداخلية.
لكن حتى في لحظات العزاء، يولد الأمل. القلم الذي بكى سيجد طريقه، والكلمات التي تاهت ستعود، أقوى وأوضح. لأن الفكرة، مهما تسربت، تترك أثرًا. والحرف، مهما انكسر، ينهض ليكتب من جديد.
ربما يكون الضجيج حولنا لا يرحم، لكن الكاتب الحقيقي هو من يجد كلمته وسط الصخب، ويُحول الضوضاء إلى لحنٍ جديد، يكتب به قصته، ويحيي به قلمه.